صلي نهاره ويقيم ليله، ويكون من رواد المسجد وصاحب الصف الأول، ويصوم فرضه ونفله ويزكي ويتصدق من أمواله، ويحج ويعتمر، ولكنه يوم القيامة مطروح بالنار وخاسر الخسران المبين، فالهلاك موعده والنار مصيره والمفلس عنوانه، والسبب هو فصل الأخلاق عن العبادة ففي العبادة ينضبط وفي أخلاقه ومعاملاته مع من حوله لا يبالي، فيصلي ويصوم ويظلم ويشتم ويأكل مال الناس ويقذف ويضرب غيره، فخلط عملا صالحا وآخر سيئا، فجاء يوم القيامة فالعبادة الحسنة والأخلاق السيئة، فمالت كفة السيئات وهي سوء أخلاقه ومعاملاته على الحسنات وهي العبادات فطُرح في النار لسوء أخلاقه .
فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ». أخرجه مسلم والترمذي وأحمد في مسنده.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَة، قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا، وَصِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ : " هِيَ فِي النَّارِ "، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ : " هِيَ فِي الْجَنَّةِ " .رواه احمد في مسنده وصححه الألباني وقوله: "أثوار أقِط"، الأثوار: جمع ثَوْرٍ: وهي القطعة من الأقِط، والأقِط -لَبَن جامد مستَحجِر.
فالإسلام عقيدة وعبادة وأخلاق، لا يتجزأ مترابط وحدة واحدة كاملة غير منفصلة، ومن فصل العبادة عن المعاملة يسمى العابد السيء، فقد قال الإمام الغزالي رحمه الله:" الأخلاق السيئة هي السموم القاتلة، والمهلكات الدامغة، والمخازي الفاضحة، والرذائل الواضحة، والخبائث المبعدة عن جوار رب العالمين، المنخرطة بصاحبها في سلك الشياطين، وهي الأبواب المفتوحة إلى نار الله تعالى الموقدة التي تطلع على الأفئدة".
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه :إن العبد ليبلغ بحسن خلقه أعلى درجة في الجنة وهو غير عابد ويبلغ بسوء خلقه أسفل درك جهنم وهو عابد" والمراد بغير العابد أي ليس العابد الزاهد كثير العبادة .
وقال يحي بن معاذ رحمه الله :" حسن الخلق حسنة لا تضر معها كثرة السيئات وسوء الخلق سيئة لا تنفع معها كثرة الحسنات".
وقال أبو حاتم رضي الله عنه: (الواجب على العاقل أنْ يتحبَّب إلى النَّاس بلزوم حسن الخلق، وترك سوء الخلق؛ لأنَّ الخلق الحسن يذيب الخطايا كما تذيب الشَّمس الجليد، وإن الخلق السَّيئ ليفسد العمل كما يفسد الخلُّ العسل، ...")
فلا تكن مفلسا يوم القيامة وإن ملأتَ صحيفتك بالصلاة والصوم والزكاة والحج، فإن حسن الخلق من الرضا وسوء الخلق من السخط، فسوء الخلق يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، وحسن الخلق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم :"ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة " رواه الترمذي وصححه الألباني.
فالأخلاق الحسنة تجذب الناس إلى دين الله وترغِّبهم فيه، والأخلاق السَّيِّئة في الدِّين تُنَفِّر النَّاس عن الدِّين وتُبَغِّضهم إليه، فكن مرغب ومقرب وداعيا واحذر أن تكون من يصد عن دين الله وهو لا يدري فيخسر الدنيا قبل الآخرة.